فصل: الكلام على قوله تعالى: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرجا من حديث حذيفة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشوص فاه بالسواك قال أبو عبيد الشوص والموص الغسل وقال ابن الأعرابي الشوص الدلك والموص الغسل أخبرنا علي بن عبد الله وأحمد بن الحسين وعبد الرحمن بن محمد بسندهم عن معاوية بن يحيى عن الزهري عن عائشة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال تفضل الصلاة التي يستاك لها على الصلاة التي لا يستاك لها سبعين ضعفا ويفضل الذكر الخفي على غيره من الذكر بسبعين ضعفا وأما الأجزاء فقص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة وتقليم الأظافر والضرب الثاني تطهير الجوارح عن الآثام قال الله عز وجل: {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} واعلم أن الجوارح كالسواقي توصل إلى القلب الصافي والكدر فمن كفها عن الشر جلت معدة القلب بما فيها من الأخلاط فأذابتها وكفى بذلك حمية فإذا جاء الدواء صادف محلا قابلا ومن أطلقها في الذنوب أوصلت إلى القلب وسخ الخطايا وظلم المعاصي فلو وضع الدواء كان بينه وبين القلب حجاب فلا تكاد الجوارح تسلم من الخطايا إلا بالعزلة فمن أمكنه فما أحسنه ومن لم يمكنه تحفظ في مخالطته للخلق تحفظ المجاهد في الحرب.
والضرب الثالث تطهير القلب عن الأخلاق المذمومة من الحرص والحقد والحسد والكبر وغير ذلك ولا يمكن معالجته من أدوائه بدوائه حتى تقع الحمية التي وصفناها في كف الجوارح ثم يعالج كل داء بدوائه وكم من متعبد يبالغ في كثرة الصلاة والصوم ولا يعاني صلاح القلب وقد يكون عنده الكبر والرياء والنفاق والجهل بالعلم ولا يحس بذلك وقد يكون تطلعه إلى تقبيل يده وإجابة دعائه وهذه آفات لا دواء لها إلا الرياضة بالعلم ليقع التهذيب بإصلاح دائه وإنما تنفع العبادة وتظهر آثارها وتبين لذاتها مع إصلاح أمراض القلب أخبرنا أبو بكر بن حبيب بسنده عن عبد الرحيم بن يحيى الدبلي قال حدثني عثمان بن عمارة فقال وردت الحجرة مرة فإذا أنا بمحمد بن ثوبان وإبراهيم بن أدهم وعباد المقرئ وهم يتكلمون بكلام لا أعقله فقلت لهم يرحمكم الله إني شاب كما ترون أصوم النهار وأقوم الليل وأحج سنة وأغزو سنة ما أرى في نفسي زيادة فشغل القوم عني حتى ظننت أنهم لم يفهموا كلامي ثم حان من واحد منهم التفاتة فقال يا غلام إن هم القوم لم يكن في كثرة الصلاة والصيام إنما كان هم القوم في نفاذ الأبصار حتى أبصروا الضرب الرابع تطهير السر عما سوى الله عز وجل وهذه المرتبة العليا ولم تحصل إلا لمن تجلت له أوصاف الحبيب فدخل في دائرة المحبة أخبرنا عمر بن ظفر بسنده عن سعيد بن عبد العزيز قال أخبرنا أحمد بن أبي الحواري قال سأل محمود أبا سليمان وأنا حاضر ما أقرب ما يتقرب به إلى الله عز وجل فبكى أبو سليمان ثم قال مثلي يسأل عن هذا أقرت ما يتقرب به إليه أن يطلع على قلبك وأنت لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو.
قال ابن جهضم وحدثنا عبد الجبار بن بشران قال سمعت سهلا يقول من نظر إلى الله عز وجل قريبا منه بعد عن قلبه كل شيء سوى الله عز وجل ومن طلب مرضاته أرضاه الله عز وجل ومن أسلم قلبه إليه تولى الله جوارحه قال ابن جهضم وحدثني أحمد بن علي قال حدثني عباس بن عبد الله الهاشمي قال سمعت سهل بن عبد الله يقول ما من ساعة إلا والله مطلع على قلوب العباد فأي قلب رأى فيه غيره سلط عليه إبليس قال ابن جهضم وحدثني عمر بن يحيى قال سئل الشبلي عن قوله عز وجل: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} فقال أبصار الرؤوس عما حرم الله وأبصار القلوب عما سوى الله عز وجل أخبرنا أبو بكر بن حبيب بسنده عن علي بن عبد العزيز قال سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول بات أبو سليمان ذات ليلة فلما انتصف الليل قام ليتوضأ فلما أدخل يده في الإناء بقي على حاله حتى انفجر الصبح وكان وقت الإقامة فخشيت أن تفوت صلاته فقلت الصلاة يرحمك الله فقال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال يا أحمد أدخلت يدي في الإناء فعارضني عارض من سري هب أنك غسلت بالماء ما ظهر منك فبماذا تغسل قلبك فبقيت متفكرا حتى قلت بالهموم والأحزان فيما يفوتني من الأنس بالله عز وجل يا هذا إذا توضأت بغير نية قيل للماء ابذل له البلل لا الطهارة فإذا نويت قيل له طهارة الظاهر فإذا صفا قلبك فقد حصلت طهارتك حقيقة.

.الكلام على البسملة:

أرى الناس سفرا في طريق المتالف ** فمن بالغ أخرى المدى ومشارف

وما بطن هذي الأرض إلا قرارة ** وأرواحنا مثل السيول الجوارف

وما الدهر إلا جولة ثم أولة ** ونحن بمرصاد الرقيب المشارف

أيها المتفكر في القبور الدوارس الباكي على من كان به يستأنس ابك مطلقا ما يرعوى بنقل أهل المحابس تيقظ للخلاص فإلى كم أنت ناعس وقم مبادرا للفوت فإلى كم أنت جالس ليت شعري متى تتزود ومتى تبيض القلب الأسود أين الفرار والرقيب بالمرصد إلى متى مع الزلل والإسراف إلى كم مع الخطايا والاقتراف أين الندم وأين الاعتراف لقد سمعت من الوعظ كل شاف كاف أنت فيما ينفعك قاعد وفيما يضر ناهض تتوب بلسانك وتضر بحناحك أتناقض الشر في باطنك داخل في الغوامض أسد الشرى في البيع والشرا فإذا يرى الخديعة خلا المرابض يا غافلا عما قد أعد له أمكر هذا أم بله ما عذر من تعثر في ظلمات العيب بعد إضاءة نور الشيب يا أسفى من للمحتضر إذا علم من قد حضر وقلب الطرف متحيرا ونظر ورأى العجائب وقلب البصر وندم على إغفاله زاد السفر وجرى دمع الأسى ثم انهمر واحتاج إلى قليل من الزاد وافتقر ولم ينفعه كل مستور مدخر وتقطع فؤاده أسفا وانفطر إن هذا لعبرة لمن اعتبر إن كان قد سبقك الغير فأنت على الأثر يا هذا الحساب شديد والطريق بعيد وقد خاف من لا خوف عليه فكيف سكن من لا أمن له كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول وددت أني شعرة في صدر مؤمن وكان عمر رضي الله عنه يقول وددت أني أفلت كفافا لا علي ولا لي لو أن لي طلاع الأرض ذهبا وفضة لافتديت بها من هول المطلع لو أن لي الدنيا وما فيها لافتديت بها من هول ما أمامي قبل أن أعلم ما الخبر لما طعن عمر رضي الله عنه قال له ابن عباس رضي الله عنهما لتهنك الجنة يا أمير المؤمنين قال غر بهذا غيري يا بن عباس قال ولم لا أقول لك هذا فوالله إن كان إسلامك لعزا وإن كانت هجرتك لفتحا وإن كانت ولايتك لعدلا ولقد قتلت مظلوما فقال تشهد لي بذلك عند الله يوم القيامة فكأنه تلكأ فقال له علي بن أبي طالب من جانبه نعم يا أمير المؤمنين نشهد لك بذلك عند الله يوم القيامة هذا خوف عمر رضي الله عنه وأين مثل عمر كانت الصوامت تنطق بفضله وهو أسير خوفه وحزنه ولو رأيته لقلت له:
سل عن فضائك الزمان فتخبرا ** فنظير مجدك لا أراه ولا يرى

أو لا فدعه وادعي الشرف الذي ** أعيا الأنام فلست تلقى منكرا

ما احتاج يوما أن يقام بشاهد ** حق أزال الشك واجتاح المرا

فلقد جمعت مناقبا ما استجمعت ** مشهورة ما استعجمت فتفسرا

فضل الأنام وأنت أثبتهم قرا ** في حمل نائبة وأعجلهم قرا

لو لم تملكك الأمور قيادها ** صفقت قرى مما عرى ووهت عرى

فتقدم الأمراء غير منازع ** فوراء زندك كل زند قد ورى

ما بين مجدك والمحاول مثله ** إلا كما بين الثريا والثرى

وكان عمر رضي الله عنه يقول لو أني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما أصير لاخترت أن أكون رمادا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير وكان علي عليه السلام يقول آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق واعجبا لخوفهم مع التقوى وأمنك مع المعاصي.
يا سكران الهوى متى تفيق رحل الأحباب وما عرفت الطريق واتسعت الرحاب وأنت في المضيق وقد بقي القليل وتغص بالريق وتعاين زفير الموت وتعالج الشهيق ويبطل القوى ويخرس المنطيق وتغمس في بحر التلف ومن للغريق ويخلو ببدنك الدود للتقطيع والتمزيق وخرب الحصن وحطم الغصن الوريق وخلوت بأعمالك وتجافاك الصديق فإذا قمت من قبرك فما تدري في أي فريق يا معرضا كل الإعراض عني كم رسول قد أتاك مني ويحك عني أمنية المتمني أتصر على معصيتي وتقول ظني أتنقض عزمك معي ومع العدو تبني أتترك كلامي وتختار أن تغني يال للهوى كم صار بشركه كم عقل عقلا فدار في فلكه كم غير نورا من الهدى بحلكه كم بطل بطلا في حربه ومعتركه كم أبكي مغرورا بعد لهوه وضحكه كيف يفرح من الموت بين يديه وكيف يلهو من ماله بلاء عليه وكيف يغفل ورسل الموت تختلف إليه كيف يلتذ بوطنه من يرى اللحد بعينيه.
إني أبثك من حديثي ** والحديث له شجون

غيرت موضع مرقدي ** ليلا فنافرني السكون

قل لي فأول ليلة ** في القبر كيف ترى تكون

.الكلام على قوله تعالى: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة}:

المراد بالماء هاهنا المطر وقد جعل الله عز وجل الريح سببا لإثارته فقال عز وجل: {الله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا} وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينزعج إذا رأى الريح أو الغيم.
أخبرنا هبة الله بن محمد بسنده عن أبي النضر عن سليمان بن يسار عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى غيما أو ريحا عرف ذلك في وجهه فقلت يا رسول الله الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية فقال يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب قد عذب قوم بالريح وقد رأى قوم العذاب فقالوا هذا عارض ممطرنا أخرجاه في الصحيحين وقال ابن عباس الرياح ثمان أربع رحمة وأربع عذاب الرحمة المبشرات والمنشرات والمرسلات والرخاء والعذاب العاصف والقاصف وهما في البحر والعقيم والصرصر وهما في البر وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما أرسلت به وروى ابن عمر رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع صوت الرعد والصواعق قال اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك قال ابن عباس الرعد صوت ملك يزجر السحاب كما ينعق الراعي بالغنم وكان ابن الزبير إذا سمع صوت الرعد يقول إن هذا وعيد شديد لأهل الأرض وقال شهر بن حوشب الرعد ملك موكل بالسحاب يسوقه كما يسوق الحادي الإبل يسبح كلما خالفت سحابة صاح بها فإذا اشتد غضبه طار النار من فيه وسمع سليمان بن عبد الملك صوت الرعد فانزعج فقال عمر بن عبد العزيز هذا صوت رحمة فكيف لو جاء بسخط وقال علي كرم الله وجهه البرق مخاريق بأيدي الملائكة يسوقون بها السحاب وقال أبو الجلد البرق هو تلألؤ الماء والصواعق مخاريق يزجر بها السحاب قال عطاء الصاعقة لا تصيب ذاكر الله تعالى وقال ابن عباس ما من عام أكثر مطرا من عام ولكن الله تعالى يصرفه في الأرضين قال عطاء بن أبي رباح قال موسى عليه السلام يا رب هذا الغيث لا ينزل وينزل فلا ينفع قال لكثرة الزنا وظهور الربا وقال عمر رضي الله عنه إن الرجف من كثرة الزنا وإن قحوط المطر من قضاة السوء وأئمة الجور أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك بسنده عن محمد بن واسع عن سمير بن نهار عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال ربكم عز وجل لو أن عبادي أطاعوني لسقيتهم المطر بالليل وأطلعت عليهم الشمس بالنهار ولم أسمعهم صوت الرعد قال هارون وحدثنا عفان بن مبارك عن فضالة قال سمعت الحسن يقول كانوا يقولون- يعني أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- الحمد لله الذي لو جعل هذا الخلق خلقا دائما لا يتصرف لقال الشاك في الله عز وجل لو كان لهذا الخلق رب لحادثه وإن الله تعالى قد حادث بما ترون من الآيات إنه قد جاء بضوء طبق ما بين الخافقين وجعل فيها معاشا وسراجا وهاجا ثم إذا شاء ذهب بذلك الخلق وجاء بظلمة طبقت ما بين الخافقين وجعل فيها سكنا ونجوما وقمرا منيرا وإذا شاء بنى بناء جعل فيه المطر والرعد والبرق والصواعق وإذا شاء صرف ذلك وإذا شاء جاء ببرد يقرقف الناس وإذا شاء جاء بحر يأخذ بأنفاس الناس ليعلم الناس أن لهذا الخلق ربا يحادثه بما يرون من الآيات كلها كذلك إذا شاء ذهب بالدنيا وجاء بالآخرة وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استسقى يقول اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك اللهم اسقنا غيثا هنيئا مريعا غدقا طبقا عاجلا غير رائث نافعا غير ضار اللهم اسقنا سقيا وادعة نافعة قال أنس أصابنا مطر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه المطر وقال إنه حديث عهد بربه وفي لفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقي ثيابه أول مطرة تمطر وقال عكرمة كان ابن عباس إذا مطر يقول يا عكرمة اخرج الرياح أخرج كذا حتى يصيبه المطر وقال عبيد بن عمير يبعث الله ريحا فتقيم الأرض ثم يبعث المثيرة فتثير السحاب ثم يبعث المؤلفة فتؤلفه ثم يبعث اللواقح فتلقح الشجر وقال عكرمة ينزل الله عز وجل الماء من السماء السابعة فتقع القطرة منه على السحاب مثل البعير قال كعب والسحاب غربال المطر ولولا السحاب لأفسد ما يقع عليه وقال ابن عباس المطر مزاجه من الجنة فإذا كثر المزاج كثرت البركة وإذا جاء القطر من السماء فتحت له الأصداف فكان لؤلؤا.
وفي حديث أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عند نزول الغيث تفتح أبواب السماء ويستجاب الدعاء قال المفسرون إذا نزل القطر على الأرض اهتزت أي تحركت للنبات فإذا أراد الخروج ارتفعت عنه فهو معنى قوله عز وجل: {وربت وأنبتت من كل زوج} أي من كل جنس {بهيج} أي أنه يبهج ويسر يا من قد أجدبت أرض قلبه متى تهب ريح المواعظ فتثير سحابا فيه رعود تخويف وبروق خشية فتقع قطرة على صخر القلب فيتروى وينبت يا من أجدبت أرض قلبه واشتغل عنها ولها اخرج إلى صحراء التيقظ واستسق لها هيهات أن تخضر أرض القلب حتى يتروى الخد من عين العين لا تيأس من جدب الجدب فليس بمستحيل أن يستحيل.